الخطاب الذي توجه به الرئيس الشاذلي بن جديد في أكتوبر 1988 كان بمثابة إعلان عن دخول الجزائر أهم منعطف تاريخي بعد حرب التحرير و الاستقلال، توعد فيه بإحداث تغييرات عميقة تهدف من خلالها إلى استعادة للشعب سيادته، و حتى يبدوا أمام الشعب أنه زعيم الديمقراطية في الجزائر، قال الشاذلي بن جديد في خطابه أن دستور 1986 عبارة عن دستور برنامج، بحيث أصبح عبئا على الشعب، لأن بنوده المستوردة تتنافى مع طموحات الشعب سياسيا و اقتصاديا، خاصة و قد لجم هذا الدستور النقاش السياسي و قزّمه، فجاء الشاذلي بن جديد بدستور جديد، و خيّطه على مقاسه، أو ربما سلم له مفصلا على مقاس من فصلوه من وراء البحر، ما يلفت الانتباه..، هو أن كلما يأتي رئيس جديد، إلا و يخضع الدستور الجزائري إلى التعديل، كما يلاحظ أن كل دستور يأتي مفصلا على مقاس الرئيس الذي يأتي، و سواء كان دستور بن بلة أو دستور بومدين، أو دستور بن جديد، ثم دستور الذي خلفه، و الذي جاء بعده.. إلى غاية دستور بوتفليقة، فكل المؤشرات تقول أن الدساتير الجزائرية لم يكن للشعب فيها السلطة المطلقة في اختيار نهجه السياسي أو الاقتصادي.
الملاحظون قالوا أن الاستفتاء الشعبي الذي آجراه الشاذلي بن جديد في نهاية الثمانينيات كان بداية دخول الجزائر عهدها الجديد بعد ولادة "الجمهورية الثانية"، لكن الواقع أن عهدة الشاذلي بن جديد كانت بداية الجمهورية الثالثة، إذا قلنا أن عهدة الرئيس أحمد بن بلة كانت بداية الجمهورية الأولى بعد الاستقلال، ثم خلفه الرئيس هواري بومدين، عقب أحداث 19 جوان 1965 ، لكن جمهورية الشاذلي فشلت انطلاقا من أحداث الربيع الأمازيغي في 1980، ثم انتفاضة 05 أكتوبر 1988 مرورا بأحداث 1982، و توجت بالعشرية السوداء، (و نعتذر عن عبارة توجت)، السؤال الذي ينبغي أن يطرح هو: ماذا يراد بمفهوم الجمهورية؟، هل تعني التداول على السلطة و تحديد العهدات الرئاسية؟، و نحن نرى الرئيس الحالي ممسكا بأسنانه و يديه كرسي الحكم لرابع عهدة، بالرغم من الظروف الصحية الصعبة التي يمر بها، و التي لا تسمح له بإدارة شؤون الدولة، فأين هو مشروع الجمهورية الذي رسمته الدول المتقدمة التي تحترم نفسها و شعبها، و دستورها و قوانينها، و مواطنيها، و لا تمارس معهم الخداع على الطريقة الميكيافيلية.
علجية عيش