يشهد العالم اليوم تحولات سياسية و اقتصادية ، تحول فيها موضوع "الخبز" من شعار ديني و مطلب اقتصادي إلى قضية سياسية، و قد أثرت في نفسي ما رواه الرائد حميمي أحد ضباط جيش التحرير الوطني من الولاية الثالثة أن أحد المجاهدين خلال عملية المنظار قضى أسبوعين لم يذق خلالهما طعاما، و عندما التقى برفاقه و أعطوا له قطعة من الكسرة أمسكها بكلتا يديه و قال مخاطبا إياها: " و الله لقد ظننت أنكِ استشهدتِ أيتها الكسرة"، و قد ذكر الدكتور أحمد بن نعمان أن التاريخ و إن تحدث عن أقوام ماتوا من أجل الكرامة و الشرف، فلم يتحدث عن أقوام ماتوا بسبب "الجوع" مهما كان نوعه و بلغت درجته، لأن الإنسان يستطيع أن يحيا بالحشيش و لا يموت، و قد فعلها ألوف المجاهدين في حرب التحرير أثناء عملية المنظار الشهيرة حين جاعوا فأكلوا الحشيش ، و لم يستسلموا إلى الخبز في ثكنات العدو لأن الشرف عند المجاهدين فوق العلف بل فوق الحياة الدنيا ذاتها بكل ما فيها و ما عليها، لقد استخدمت فرنسا الجوع كسلاح حرب في حق الجزائريين، و تلذذت و هي ترى أطفال جياع ، و هو يعتبر نوعا من القتل البطيئ.
نقرا اليوم عن ثورة الخبز التي انطلقت في تونس، و نقف على الوضع في سوريا و السكان المحاصرون، و هم ينتظرون الإمدادات المنقذة للحياة من غذاء و دواء، دون أن ننسى الشعوب الإفريقية التي تعاني من الحروب و المجاعة، هذا الوضع المأساوي لا يحدث في سوريا وحدها أو في فلسكين و بورما المسلمة، فالنساء و الأطفال يعانون اليوم من الجوع في مناطق الصراع في جميع أنحاء العالم، ( اليمن، نيجيريا، العراق، غزة ، بورما ..الخ)، تشير التقارير أن مائة مليون شخص في العالم مهدد بالموت جوعا و قد تتعرض الشعوب لاسيما شعوب العالم الثالث لمجاعة عالمية، و نقرأ عن تسونامي ( الغلاء و الجوع)، كما حدث عام 1919 ، وهو يتحدث عن جهاد الجزائر أعطى الدكتور أحمد بن نعمان للخبز مفهوما سياسيا، حيث ربطه بشعار الحزب الشيوعي في الجزائر و في فرنسا أيضا قبل الثورة و بعدها، و قال أنه كان يتمثل في شيئين اثنين هما: ( الخبز و الأرض)، و لذا يمكن القول أن الخبز حق للجميع، لأنه يدخل ضمن حقوق الإنسان حفاظا على الحياة، فقد طالبت به كل الشعوب و الحكومات، و قامت من أجله الحروب و المعارك، و ليس الحزب الشيوعي وحده، حتى الأديان كانت ترفع شعار الخبز و هي تمارس طقوسها الدينية، مثلما نراه عند المسيحيين و هم يرددون في كل صلاة، ( ابانا الذي في السماء ، أعْطِنا خُبْزَنا كفافَ يَوْمِنا، وَاغْفِرْ ذُنوبَنا وَخَطايانا، كمَا نَحْنُ نَغْفِرُ لِمَن أساءَ إلَينا) و لعل هذه الكلمات الترنيمية تتطابق مع قوله تعالى في الآية 79 من سورة الشعراء ( الذي يطعمني و يسقيني و إذا مرضت فهو يشفيني)، و هي لدليل على أن الإنسان لا يستطيع العيش بدون أكل، و سيهلك لا محالة لو ظل بدون أكل، و لا نعني هنا أن يجتر الإنسان الطعام في كل وقت كالحيوان، لأن هناك أمور تتعلق بالنظام الغذائي.
يقود هذا الكلام إلى خطاب أحمد أويحي، أمام مجلس الوزراء خلال جلسات مناقشة مخطط عمل الحكومة، و قال أن مخطط عمل الحكومة خيارات إستراتيجية لمواجهة السنوات العجاف، و على الشعب الجزائري أن يَشُدَّ الحزام، و أن يَدَّخِرَ "العُولة" لوقاية نفسه و أبنائه من الجوع، في ظل قلة الموارد من حيث تساقط الأمطار و قلة المياه، لاسيما و أن 16 ولاية جزائرية تعاني اليوم من الجفاف و نقص المياه، و أن ولايات عديدة لم تحصل الموسم الفارط على"الصّابة" بسبب الجفاف، السؤال الذي يتبادر إلى الذهن ماهي الحلول التي يمكن أن تضعها الدولة لمواجهة السنوات العجاف، التي تحدث عنها الوزير الأول، و نحن نرى كيف تبذر الأموال هنا و هناك في مناسبات لا معنى لها و لا تخدم مصلحة الشعب، حيث وجدت الدولة نفسها عاجزة عن تحقيق الاكتفاء الذاتي للشعب الذي أضحى يأكل من القمامة، لدرجة أنها تستورد القمح و غبرة الحليب من الخارج ، كل الأحزاب السياسية اليوم حتى المجهرية كما يلقبونها، تجمع على أن الخروج من الأزمة مرهون بإعطاء قطاع الفلاحة و قطاع الصناعة حقهما، و إعادة النظر في العقار الفلاحي و العقار الصناعي الذي نُهِبَ ، و تفعيل دور "مجلس المحاسبة" من أجل القضاء على الفساد، و محاسبة الناهبين لأموال الشعب، ثم أخيرا التفكير في ما بعد المحروقات.
علجية عيش