المُعَارَضَة ثقافةٌ و موقفٌ؟
________________________
الحديث عن المعارضة يحتاج الى دراسة عميقة من طرف أهل الاختصاص في نواحيها النفسية، الاجتماعية، السياسية، و العوائق التي تصدر عنها، و إذا ما كانت هذه العوائق أو النتائج تتلاءم مع عادات و تقاليد المجتمع و مساهمته في إحداث التغيير و تحقيق الديمقراطية السليمة، و السؤال الذي ينبغي أن نطرحه على أنفسنا هو: من نعارض؟ هل نعارض الأشخاص أم الأفكار؟ و السؤال الذي يلح على الطرح هو: هل لدينا الحجة القوية لإقناع خصمنا حول القضايا المتنازع فيها؟ و هل لدينا البديل الذي يرضى عنه الشعب؟، تلك هي المشكلة؟
عرف مصطلح " المعارضة" توسعا و تداولا كبيرين عبر صفحات وسائل الإعلام المكتوبة خاصة، و لاقى اهتماما كبيرا من طرف الكتاب و النقاد و المحللين، بعد تطور هذا الأخير في مختلف المجالات، لدرجة أنه تحول إلى "ورم" يتكاثر و يتنقل من عضو لآخر، فمن المعارضة السياسية إلى المعارضة النقابية، وانتقلت العدوى إلى القطاع القضائي الذي دخل باب المعارضة عن طريق المحامين، رغم أن هذا القطاع عرف بأنه الأكثر توازنا و انسجاما في ظل إصلاح العدالة التي باشرتها الوزارة "السّيدة".
لقد بذلت الجهات التي تبنت شعار المعارضة ورفعته في وجه خصومها كل جهودها لضرب الطرف الآخر و عرقلته بكل الطرق و الإمكانات، و أصبحنا نسمع و نقرأ عن المعارضة دون ملل، و قد "نَتَقَمَّصُ" شخصية أصحابها و الداعين إليها من أجل المعارضة ليس إلاّ، دون التفكير في نتائجها و آثارها النفسية ، الاجتماعية ، الأخلاقية، السياسية و الاقتصادية، وإن كان من حق أي شخص أو هيئة اللجوء إلى المعارضة ، و أن يبدي مواقف معينة إزاء قضايا ذات أهمية يؤمن بها الطرف الآخر ويتبناها، لكن الحقيقة التي نقف عليها هي أن كثير من المعارضين يعارضون من أجل المعارضة، و بالتالي فهم يفتقرون إلى ثقافة المعارضة.
فالمعارضة لا تعني نشر الغسيل على حبال الآخر، أو تعطيل مصالح المواطن، و بالتالي فإنه من الصعوبة بمكان تبني هذا المصطلح أو استخدامه قبل إدراك مفهومه الحقيقي، إذ لا نلجأ إلى المعارضة من أجل المعارضة، لنشغل بها الآخر، و أن اختلافنا مع شخص ما لا يعني أن الإطار الذي يحوي هذا الشخص يخالف قناعاتنا ووجهات نظرنا و الواقع الذي نراه ونعيشه، خاصة إذا كانت الأغلبية تؤيد "الموقف" موضع المعارضة..
اعتادت بعض الأحزاب على رفع شعار المعارضة من أجل التغيير و راحت بأفكارها "المُحَرِّرَة" تُخطِّطُ لبناء مجتمع على مقاسها هيَ لرعاية مصالحها لا رعاية المجتمع، و لم تقم هذه الأطراف بجرد تجاربها وامتحان خبرتها طيلة هذه السنوات ، و أن تبحث عن الثمار التي جنتها من المعارضة، وإن كانت المعارضة " موقف؟" يتخذه الشخص المعارض تجاه نظام ما أو حزب ما أو مؤسسة من المؤسسات، فالمعارضة هي قبل كل شيء "ثقافة" إن لم نقل " فنًّا " و على المعارض أن يكون قادرا على إقناع الآخر أي خصمه و تقديم له البديل ، و أن يدرك الحدّ الذي تنتهي عنده هذه الكلمة -المعارضة- التي تعني بالدرجة الأولى "السّير ضد التيّار" سيما إذا لم تتلقى هذه المعارضة الاستجابة الشعبية القوية لها.
علجية عيش