هل الرأسمال الثقافي هو ما نكدسه من كتب، أو ما ننتجه من أفكار؟ أو ما نقرأه، و كيف نحارب آفة النسيان التي تصيب غالبية القُرّاء، ربما تصيبنا نحن أيضا؟ الواقع أن الكتاب عن الرأس مال الثقافي أو الفكري شحيحة جدا، فنحن دوما نقرأ عن شركة ما بلغ رأس مالها كذا و كذا، و أنها حققت مداخيل سنوية ، طبعا العملية "بزنس في بزنس"، لا تعدو أن تكون صفقة تجارية بين طرفين، لا يهم من هو الرابح و من هو الخاسر، الأهم أن يكون بينهما عقد عمل على مدى طويل أو قصير، و قد تكون العملية بالتراضي.. هذا الذي نسميه الاستثمار تطور مفهومه، و طرق أبوابا عديدة، بحيث طال المجال الإبداعي، فسوق الكتب اليوم تزخر بالمبيعات، و بلغ التنافس بين دور النشر حدا لا يطاق، من يطبع أكثر و من يسوق أكثر، لاسيما و الجزائر تعيش فعاليات الصالون الدولي للكتاب، و الذي تشارك فيه عدة دول عربية و أجنبية، و تتعطش لحضوره كل الأقلام الإبداعية بمختلف توجهاتها ، في ظل التخوف الكبير من ارتفاع الأسعار، كل شيئ تحول إلى تجارة ( بيع و شراء) لتحقيق الربح الكبير و تكوين ثروة مالية، لكن ألا فكر أحدهم في الاستثمار البشري؟ و تكوين الرأس المال الثقافي؟ ..
الأمر مرتبط طبعا بسوسيولوجيا الثقافة ، و كذا تاريخ الثقافة و الفكر، فإشكالية الثقافة و المثقف كما يقول المحللون ترتكز على بعض الخصائص منها فلسفة الفاعل المستقل، الحر و المبدع للأفكار، و قال آخرون أن سوسيولوجية الثقافة تقوم على أساس التفكير في الاختلاف و الخضوع أو التبعية في نفس الوقت، هذه التبعية التي تجعل كل عمل إبداعي محدود و محدد، لأن دور النشر تخضع دوما إلى طبيعة النظام السياسي للبلاد، بحيث تفرض عليها طبع نوعا خاصا من الكتب، التي لا تمس طبعا بالسياسة العامة للبلاد، لدرجة أنها تمنع دخول بعض الإصدارات إلى السوق الوطنية، مع ممارسة الرقابة على الإنتاج الفكري و الثقافي، فلم يعد البحث عن القارئ كموضوع فكري ثقافي، لأن الكم طغى على النوع في الإنتاج الإبداعي ، في ظل التصورات التي يقدمها المبدعون عن أنفسهم ( المبدع الذي لم يخلقه أحد).
و قد اهتم بعض المفكرين الغربيين بـ: "سوسيولوجيا الحقل الثقافي" و منهم المفكر الفرنسي بورديو، الذي أشار إلى أن إنشاء الأكاديميات ( أكاديمية المسرح و أكاديمية الشعر، و أكاديمية القصة و أكاديمية الفن التشكيلي و النحت، و الهندسة المعمارية و غيرها..) قد أثرت على العملية الإبداعية، بحيث لم تعد تتمتع بالإستقلالية، لأن أغلبها خاضع للسلطة، التي تمارس الرقابة على كل عمل ميداني تقوم هذه الأكاديميات و لم تعد تهتم أو تراعي ما يحتاجه الجمهور، الذي نجده دوما يحاول يتطلع إلى ما بحدث في الساحة الوطنية، ليس من المعقول طبعا أن نفرض على الجمهور أن يشتري ديوان شعر أو رواية و هو يبحث عمن يسلط الضوء على واقعه الاجتماعي و السياسي، و الحروب القائمة هنا و هناك، و كيف يتم التخلص من الاستعمار، لا يعني هذا فصل المنتج ( المفكر، الأديب أو الفنان) عن ميوله في الإنتاج و لكن لابد أن يستجيب إلى رغبات الجمهور و ما يريد أن يقرأ، أي أنه يكون داخل مجال اللعبة، و لعل غياب المثقف الذي هو في الأصل ناقد للمجتمع بفعل امتلاكه الرأس المال الثقافي، جعل العمل الفكري يفقد نوعا ما الصلة بين الأديب المبدع و الجمهور، و لذا وجب عليه أن يستجيب لذوق الجمهور الواسع و ترقية فكره و تحريره من التبعية الفكرية، حتى يخلق منه إنسانا حر التفكير.