حان الوقت لإعادة النظر في أدبيات النضال، و استحضار من قادوا معارك النضال و كانوا مدرسة في تربية الأجيال أولئك الذين ناضلوا بصدق و بدون مقابل
يبدو أن الحراك الشعبي في الجزائر لم يحقق سوى الجزء اليسير من الأهداف الذي تحرك من أجلها، بحيث ما تزال بعض الذهنيات كما كانت عليه من قبل، و لم تغير شيئا لا في تفكيرها و لا في سلوكاتها، و ما تزال تنظر إلى الأمور بنظرة المصلحة الخاصة أي خدمة مصالحها هي، و تعمل على استغلال الناس ( السذج) من أجل تحقيقها، كل شيئ تسيّس حتى العمل التطوعي
في قاعة الإجتماعات كانوا ينتظرون قدوم المسؤول لإنطلاق الإجتماع، شكلوا شبه دائرة مستديرة تتوسطها طاولتان عليها زجاجات مياه معدنية، عصير و حلويات
غلب الصمت القاعة، و لكن أحدهم فتح النقاش حول نجاح حملة التشجير، لينتقل إلى الحديث عن مسيرة الحزب و المصالية ، ثم الكتابة التاريخية، ( أخونا هذا يصفونهه بالزعيم)، حدق هذا الأخير مع أحد الحضور و قال: متى ولدتَ أنتَ و كم عمركَ حتى تتكلم في التاريخ أو تكتب عنه؟ محدثنا هذا لا هو كاتب و لا هو مؤرخ و لا هو مجاهد ، هو مناضل قديم ، لكنه كما يقال تعلم ثقافة التبلعيط" و"الثرثرة السياسية" التي لا تصنع مجتمعا سويا و واعيا.
قال الثاني: فلان تبرع بمال كبير من أجل (...) ، في إشارة منه إلى نائب برلماني
وقال الثالث: أنظر.. ينددون بالتهميش و لما نعينهم لا يعملون، و لا ندري عن أي تعيينات يتحدثون ، إن كانت هذه الأخيرة شفهية؟
كنت استمع إلى حديثهم، أتابع حركاتهم، و نظراتهم وكيف توجه يمينا و شمالا، الرسالة وصلت طبعا، و كما يقول ناس بكري : ( الهدرة عليَّ و المعنى على جارتي)
هي سلوكات سلبية لا ترقى إلى المستوى، سلوكات لا تبني النضال الذي يحرك الطاقات الكامنة يُحَوِّلُ السلبية إلى إيجابية و السكون إلى حركة، سلوكات تهدم أكثر ما تبني، و تفرق أكثر ما تجمع، بدليل ما نشهده من استقالات من أحزاب و الإنخراط في أحزاب أخرى
تحول "النضال" داخل الأحزاب السياسية إلى نضال عصبوي أو نضال فئوي، كأن تناضل مجموعة تنتمي إلى منطقة ما من أجل نصرة من ينتمي إلى منطقتها حتى لو كان يفتقر إلى المؤهلات أو القدرة على تسيير الحزب، أو نجد عناصر تنتمي إلى منظمات جماهيرية و جمعيات، و كل هذا يعود إلى عدم التفريق بين العمل الحزبي و العمل الجماهيري أو الجمعوي
كما أن بعض المسؤولين في الأحزاب السياسية ينظرون إلى المناضلين و كأنهم قطعان غنم ، و لذا لا يمكن في أي حال من الأحوال الحكم على هؤلاء الذي يقفزون من حزب لأخر، لأن لكل واحد مبرراته، طالما المسألة تتعلق بالمواقف، كما أن كل واحد يرى النضال من زاوية مختلفة و يريد أن يناضل على طريقته، و قد تكون فكرته صائبة.
علجية عيش