كان العدوان الفرنسي على مدينة "بنزرت" التونسية بسبب مساندتها الثورة الجزائرية، أراد فيها ديغول خنق مسار الثورة الجزائرية، كما أن مشكلة الصحراء كانت بإثارة من الوفد الفرنسي في مفاوضات " لوجران " و هي خطة أعدتها فرنسا لفصل الصحراء عن الجزائر و جعلها فرنسية و تركيز النشاط فيها خاصة ما كان يتصل بالبترول و الغاز الطبيعي
ي
ؤكد الدكتور أحمد بن فليس في دراسة أجراها حول " السياسة الخارجية للثورة الجزائرية" الثوابت و المتغيرات أن العمق العربي كان السند للثورة الجزائرية، و شاع صيتها من خلال المؤيدين لها عبر العالم، من خارج الدائرة العربية و الإسلامية و بعض الدول المحسوبة على المنظومة الغربية التي كانت جميعها ذات تحالف، و بالتالي لا يمكن تجاهل الدعم الذي قدمته، لذلك اعتبرت جبهة التحرير الوطني مواقف البلدان العربية دين الأخ تجاه أخيه لأنها ناصرتها وآزرتها أمام جامعة الدول العربية، و لم تقصر في واجبها تجاه الثورة الجزائرية، غير أن هذا التحالف لم يكن بالكامل بسبب الخلافات بين جبهة التحرير الوطني و الجارة تونس و المغرب رغم وجود قواعد هامة للجيش الجزائري عبر الحدود التونسية و المغربية ، فصلا عن الجالية الجزائرية المقيمة هناك، و امتزاج الشعوب المغاربية ببغضها عن طريق المصاهرة.
و يشير الدكتور أحمد بن فليس في الدراسة التي أجراها حول " السياسة الخارجية للثورة الجزائرية" الثوابت و المتغيرات، ما قاله إبراهيم مزهودي في هذا الشأن أن الثورة الجزائرية وضعت ضمن اهتماماتها التضامن المغاربي في المقام الأول و العمل المشترك و التنسيق مع جيرانها و عدم التدخل في شؤونهم الداخلية، و من هنا جاء هدف أول نوفمبر وهو " الاستقلال الوطني ضمن الشمال الإفريقي" و ضرورة تعميم الكفاح المسلح على الجبهات الثلاثة المغاربية.
و يأتي هذا الاهتمام كون العاصمة لتونسية كانت الحاضنة لكل الأجهزة القيادية لجبهة التحرير الوطني و كل وزارات الحكومة المؤقتة باستثناء وزارة الشؤون الخارجية التي كانت في مصر، فقد كان التشنج بين جيش التحرير الوطني الجزائري و الحكومة التونسية أيام الحبيب بورقيبة سببه الاتفاق التونسي الفرنسي الموقع بتاريخ 30 جوان 1958 في تحويل النفط الجزائري من إيجلي edjele إلى ميناء الصخيرة التونسي و شحنه باتجاه فرنسا، كان "الخبر المسموم" عنوان المقال الذي نشر في صفحة "المجاهد" و الذي أثار أزمة حاجة مع الحكومة التونسية، فكانت جبهة التحرير الوطني أن حذرت من الوقوع بمثل هذه المقالات في الإنزلاقات ، و عملت على تبني سياسة التهدئة بين الحكومتين التونسية و الجزائرية، و تنبيه قواعدها النضالية من الإستراتيجية "الديغولية".
كانت الاتفاقية التونسية الفرنسية بداية إنهاء الوفاق و بداية أزمة حادة، لأن التوقيع على الاتفاق يعني مساندة فرنسا و الاعتراف بحقها في التصرف في ثروات الجزائر، و خرقا لاتفاقية "طنجة"، أغلب الكتابات التاريخية تؤكد أن الحكومة التونسية كانت ضحية خدعة فرنسية ( طمع )، عندما أوردت عبر صحفها و منها صحيفة " أفريكا أكسيون" مقالا توضح فيه أن مشروع الأنبوب يتعلق بالخبز اليومي للشعبي التونسي يزيد من دخله و أن هذه الزيادة تعتبر مكسبا لسكان شمال إفريقيا بما فيها الجزائر و تأمين الخبز اليومي لكل واحد من سكان المغرب العربي، غير أن نفسية الشعب الجزائري كانت ترفض صفة " خبزيست" أي طالب الخبز و تعتبرها إهانة له و لكرامته.
أما المغرب فقد لزم ملكه محمد الخامس الصمت، لأنه كان يعتقد أنه أعلى من أن يتدخل في نقاش كهذا( الخبز)، لكن الحكومة الجزائرية بحنكتها أجلت النقاش في هذا المشكل إلى ما بعد الاستقلال و بفضل ضبط النفس جنبت الجزائر نفسها من الدخول في صراعات مع جيرانها، لكن نوايا الحكومة التونسية لم تكن بالنبيلة، فقد عاد الصراع في 61 على يد بورقيبة في قضية الحدود مع الجزائر، و يؤكد ذلك لقاء بورقيبة بديغول في 27 فيفري 1961 في رامبوي، بهد تعديل حدود بلاده مع الجزائري باعتراف من ديغول في مذكراته، ففي شهر جويلية جاءت حادثة بنزرت ، طالبت تونس بالعمود 233، و هي الحادثة التي تخلى فيها ديغول عن تونس برفضه التشاور المباشر مع بورقيبة الجلاء عن بنزرت.
يروي ديغول في مذكراته فحوى المحادثات التي تمت بينه و بين بورقيبة في لقائهما في رامبواي Rambouillet بأن قضية بنزرت لم تكن سوى حيلة ليكسب بلده من جهة الحدود الصحراوية، و رغم ذلك فإن الحكومة الجزائرية أعلنت عن تضامنها مع الشعب التونسي لدى نزول المضليين الفرنسيين إلى بنزرت، و في بيان لها صادر في 31 جويلية 1961 عرضت الحكومة الجزائرية المؤقتة مساعدتها في الدفاع عن قضيتها، و هذا ردا لجميلهما، فقد كانت النساء الليبيات و التونسيات يبعن حليهن من أجل جمع المال لصالح المجاهدين الجزائريين أيام الملك الليبي إدريس السنوسي، و كان الحقد الفرنسي أن شن حربا على قرية سيدي يوسف التونسية بحجة تواجد الثوار التونسيين فيها، و كانت هذه ألأحداث قد خلقت أزمة داخل فرنسا انتهت بسقوط الجمهورية الرابعة مع ديغول إلى السلطة، و كانت جبهة التحرير الوطني قد علقت عب صحيفتها " المجاهد" بأن قرية ساقية سيدي يوسف الشهيدة فصحت الإستعمار العالمي و حسمت وحدة المغرب العربي.
و كان العدوان الفرنسي على بنزرت بسبب مساندتها الثورة الجزائرية، أراد فيها ديغول خنق مسار الثورة الجزائرية، كما أن مشكلة الصحراء كانت بإثارة من الوفد الفرنسي في مفاوضات " لوجران " و هي خطة أعدتها فرنسا لفصل الصحراء عن الجزائر و جعلها فرنسية و تركيز النشاط فيها خاصة ما كان يتصل بالبترول و الغاز الطبيعي.
وكان دخول الجزائر في مفاوضات مع فرنسا استجابة لنداء الشقيقين ملك المغرب محمد الخامس و الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، و لهذا الغرض جاء مؤتمر طنجة الذي عقد في المغرب ، ثم مؤتمر المهدية المنعقد في تونس، وكان كل من الطيب الثعالبي و عبد الحميد مهري وزير شؤون شمال أفريقيا في الحكومة المؤقتة آنذاك و عضو المجلس الوطني للثورة و عضو لجنة التنسيق و التنفيذ و أن أكدا أن ما وقع في المهدية و طنجة كان ردا على الدعم الغربي و في مقدمته الحلف ألأطلسي للسياسة الاستعمارية للشمال الأفريقي.
رغم محاولة ديغول إفشال مؤتمر طنجة، غير أن محاولته باءت بالفشل من خلال الزيارة التي قام بها كريم بلقاسم حينما كان نائب رئيس الحكومة المؤقتة و وزير القات المسلحة إلى المملكة المغربية و جدد الملك المغربي مساندته للثورة الجزائرية، قامت خلالها مظاهرات في جميع أنحاء المغرب تندد بالاستعمار الفرنسي و جرائمه على أساس أن يوم الجزائر هو يوم المغرب مثلما جاء في خطاب الملك المغربي إلى أمته،أما بورقيبة حسب ما أكده الطيب بولحروف فإن ميوله كانت مع فرنسا من أجل الحفاظ على مكانته.
الجزائر تايمز / علجية عيش