إن المدرسة لا تتوقف عند تعلم القراءة و الكتابة فقط، و لا تتوقف الجامعة عند اكتساب شهادة في التخصص، كما لا تتوقف دور الثقافة على تعلم فن الرقص و الغناء أو فن المسرح و السينما، بل يتعدى دور هذه المنظومات الثلاث تنمية مشاعر احترام الآخر و مد جسور التواصل والتعايش معه ، و الإيمان بالتعدديات الفكرية و الثقافية و الإيديولوجية، و التعدديات العرقية و المذهبية من أجل تحقيق السلام و تعزيز مفهوم الانتماء إلى أمة واحدة لها مكوناتها و تاريخها
باعتبار أن الدولة المدنية نموذجا سياسيا، فقد أخذ النقاش حوله اهتمام المفكرين الغربيين و حتى المفكرين المسلمين الذين جعلوه ضمن التراث الإسلامي، بحكم أن الرسول يعتبر المؤسسة الأول للدولة المدنية، فبعد وفاة الرسول طرحت مسألة الحكم و من له القدرة على القيادة و من يمسك بزمام الأمور في تدبير شؤون المجتمع البشري، غير أن هذا المفهوم كما يقول أهل الاختصاص طرح إشكالات عديدة في تحديد نظام الدولة ، و كيف يتم اختيار الحاكم ، و ما هي الشروط التي يجب ان تتوفر فيه مثل العلم و العدالة، و يكون على دراية بقواعد القيادة و الزعامة، و دون الحديث عما أحدثته واقعة سقيفة بني ساعدة في انقسام الصحابة و تشتتهم حول من يكون خليفة الرسول (ص) ، أو كما سميت بـ: "النظرية الشيعية" و التي ما يزال الجدل حولها قائما إلى اليوم، فالمسألة الأكثر تعقيدا و التي خلقت الصراع بين أنظمة الحكم تتمثل في فصل الدين عن السياسة، و الغرض منه إبعاد العامل الديني في الحكم، خاصة في دولة تتسم بالتنوع المذهبي و الطائفي و العرقي، و تفتقر إلى خطاب إعلامي حر و حيادي، فتجد الأقلية نفسها محاصرة و تمارس ضدها سياط الغبن و حرمانها من كل حقوقها الاقتصادية و الثقافية، و نزع عنها صفة الشريك في الوطن، و قد يلصق فيها تهما عديدة منها العمالة، و هو نوع من الإنكار لوجود الآخر، و إضعاف الروابط بين البشر.
فالتفتت و الصراعات القبائلية و العشائرية أو المذهبية و الطائفية و الدينية ، و التي أصبحت صراعات دموية، دفعت بالبعض إلى المطالبة بالحكم الذاتي، مثلما نشهده في الكثير من البلدان ، السودان، العراق، لبنان، و حتى الجزائر، لم يرتض أبناء البلد الواحد العيش معا في انسجام، رغم أن النظام نظاما جمهوريا ديمقراطيا ، بالمقارنة مع دول أخرى كالهند و الصين اللتان تعتبران الأكثر عددا من حيث التعداد السكاني، و عملتا على بناء سلام مجتمعي و اقتصادي و كذلك الشأن بالنسبة لماليزيا، التي ضربت المثل في التعايش، بحكم ما تتميز به من تعددية دينية ، بحيث حققت المساواة بين المسلمين و البوذيين و الصينيين، لأن نظامها ديمقراطي حقيقي ليس شكلي، و لها قضاء عادل، مستقل و نزيه، فالتطرف والتعصب و العنف أمراض ظهرت أعراضها، و لما غاب العلاج انتشرت سمومها و عمّت الجسم كله، كما أن التحديات الاقتصادية التي تفرضها العولمة تدعو العرب و المسلمين إلى إعادة النظر في الكثير من القضايا ، و بالأخص نظمها و دساتيرها، بل إعادة قراءة تاريخها و استعادة ثوابتها المفقودة، و هذا لا يتحقق إلى بتصحيح منظومتها التربوية و الجامعية و الثقافية و الاقتصادية، و لعل الفقر و الجهل و المرض أولى الأمور التي ينبغي مواجهتها.
إن المدرسة لا تتوقف عند تعلم القراءة و الكتابة فقط، و لا تتوقف الجامعة عند اكتساب شهادة في التخصص، كما لا تتوقف دور الثقافة على تعلم فن الرقص و الغناء أو فن المسرح و السينما، بل يتعدى دور هذه المنظومات تنمية مشاعر احترام الآخر و مد جسور التواصل والتعايش معه في أمن و سلام، و الإيمان بالتعدديات الفكرية و الثقافية و الإديولوجية، و التعدديات العرقية و المذهبية، و الحوار وحده الذي يجمع كل هذه الأطياف، فهو يعدّ أي الحوار قيمة أخلاقية، لا تتحيز لفكر أو مذهب محدد دون الآخر، فالإشتراكي متعصب و الليبرالي متعصب، و رجل الدين و رجل السياسة متعصبان ، و المتعصبون عادة ما يثبتون على فكرة حتى لو كانت خاطئة، و هنا تتحول المواقف من دفاعية إلى عدائية، تنتهي بحرب أهلية، و لنا تجارب عديدة في الحروب الأهلية التي عاشتها الشعوب في السنوات الأخيرة كما سميت بثورات الربيع العربي، و كانت أولها الجزائر التي عاشت حربا أهلية على مرحليتين، الأولى في منتصف الثمانينيات، ثم مرحلة التسعينيات، ثم ما شهدته تونس، مصر، و ليبيا..الخ) أصبحت حدودها مهددة أمنيا، و زاد خطرها مع توسع داعش، لكنها في الوقت نفسه ما تزال تعمل بمقولة: "أنت تخالفني في أمر ما إذن أنت غير موجود"، و هكذا حصل التهميش و الإقصاء فتوقف الحراك الفكري للإنسان العربي الذي جعل من نقد الذات خط أحمر لا ينبغي تجاوزه، بينما نقد الآخر و اتهامه و وصفه بالجهل أو الفشل مباح و لا أحد له الحق في محاسبته أو تأنيبه.
علجية عيش